فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}.
لما فرغ سبحانه من الزجر لمن يؤذي رسوله والمؤمنين والمؤمنات من عباده أمر رسوله صلى الله عليه وسلم: بأن يأمر بعض من ناله الأذى ببعض ما يدفع ما يقع عليه منه، فقال: {يا أيها النبي قُل لأزواجك وبناتك وَنِسَاء المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن} من للتبعيض، والجلابيب جمع جلباب، وهو: ثوب أكبر من الخمار.
قال الجوهري: الجلباب الملحفة، وقيل: القناع، وقيل: هو ثوب يستر جميع بدن المرأة، كما ثبت في الصحيح من حديث أم عطية أنها قالت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، فقال: «لتلبسها أختها من جلبابها»، قال الواحدي: قال المفسرون: يغطين وجوههنّ ورءوسهنّ إلاّ عينًا واحدة، فيعلم: أنهنّ حرائر فلا يعرض لهنّ بأذى.
وقال الحسن: تغطي نصف وجهها.
وقال قتادة: تلويه فوق الجبين وتشدّه ثم تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى إدناء الجلابيب، وهو مبتدأ وخبره {أدنى أَن يُعْرَفْنَ} أي أقرب أن يعرفن، فيتميزن عن الإماء، ويظهر للناس أنهنّ حرائر {فَلاَ يُؤْذَيْنَ} من جهة أهل الريبة بالتعرض لهنّ مراقبة لهنّ، ولأهلهنّ وليس المراد بقوله: {ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ} أن تعرف الواحدة منهن من هي، بل المراد: أن يعرفن أنهنّ حرائر لا إماء؛ لأنهنّ قد لبسن لبسة تختص بالحرائر {وَكَانَ الله غَفُورًا} لما سلف منهنّ من ترك إدناء الجلابيب {رَّحِيمًا} بهنّ، أو غفورًا لذنوب المذنبين رحيمًا بهم، فيدخلن في ذلك دخولًا أوّليًا.
ثم توعد سبحانه أهل النفاق والإرجاف، فقال: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون} عما هم عليه من النفاق {والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي شك وريبة عما هم عليه من الاضطراب {والمرجفون فِي المدينة} عما يصدر منهم من الإرجاف بذكر الأخبار الكاذبة المتضمنة لتوهين جانب المسلمين وظهور المشركين عليهم.
قال القرطبي: أهل التفسير على أن الأوصاف الثلاثة لشيء واحد، والمعنى: أن المنافقين قد جمعوا بين النفاق ومرض القلوب، والإرجاف على المسلمين، فهو على هذا من باب قوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام ** وليث الكتيبة في المزدحم

أي إلى الملك القرم بن الهمام ليث الكتيبة.
وقال عكرمة وشهر بن حوشب: {الذين في قلوبهم مرض} هم: الزناة.
والإرجاف في اللغة: إشاعة الكذب والباطل، يقال: أرجف بكذا: إذا أخبر به على غير حقيقة لكونه خبرًا متزلزلًا غير ثابت، من الرجفة وهي الزلزلة.
يقال: رجفت الأرض، أي تحركت وتزلزلت ترجف رجفًا، والرجفان: الاضطراب الشديد، وسمي البحر رجافًا لاضطرابه، ومنه قول الشاعر:
المطعمون اللحم كل عشية ** حتى تغيب الشمس في الرجاف

والإرجاف واحد الأراجيف، وأرجفوا في الشيء خاضوا فيه، ومنه قول شاعر:
فإنا وإن عيرتمونا بقلة ** وأرجف بالإسلام باغ وحاسد

وقول الآخر:
أبالأراجيف يابن اللوم توعدني ** وفي الأراجيف خلت اللؤم والخورا

وذلك بأن هؤلاء المرجفين كانوا يخبرون عن سرايا المسلمين بأنهم هزموا، وتارة بأنهم قتلوا، وتارة بأنهم غلبوا، ونحو ذلك مما تنكسر له قلوب المسلمين من الأخبار، فتوعدهم الله سبحانه بقوله: {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي: لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل والتشريد بأمرنا لك بذلك.
قال المبرد: قد أغراه الله بهم في قوله بعد هذه الآية: {مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلًا} فهذا فيه معنى: الأمر بقتلهم وأخذهم: أي هذا حكمهم إذا كانوا مقيمين على النفاق والإرجاف.
قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في الآية.
وأقول ليس هذا بحسن ولا أحسن، فإن قوله: {ملعونين} إلخ، إنما هو لمجرّد الدعاء عليهم لا أنه أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم ولا تسليط لهم عليهم، وقد قيل: إنهم انتهوا بعد نزول هذه الآية عن الإرجاف، فلم يغره الله بهم، وجملة: {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} جواب القسم، وجملة {ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلًا} معطوفة على جملة جواب القسم، أي لا يجاورونك فيها إلاّ جوارًا قليلًا حتى يهلكوا، وانتصاب {مَّلْعُونِينَ} على الحال كما قال المبرد، وغيره، والمعنى: مطرودين {أَيْنَمَا} وجدوا وأدركوا {أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ} دعاء عليهم بأن يؤخذوا ويقتلوا {تَقْتِيلًا} وقيل: إن هذا هو الحكم فيهم، وليس بدعاء عليهم، والأوّل أولى.
وقيل: معنى الآية: أنهم إن أصرّوا على النفاق لم يكن لهم مقام بالمدينة إلاّ وهم مطرودون.
{سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} أي سنّ الله ذلك في الأمم الماضية، وهو لعن المنافقين وأخذهم وتقتيلهم، وكذا حكم المرجفين، وهو منتصب على المصدر.
قال الزجاج: بين الله في الذين ينافقون الأنبياء، ويرجفون بهم: أن يقتلوا حيثما ثقفوا {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا} أي تحويلًا وتغييرًا، بل هي ثابتة دائمة في أمثال هؤلاء في الخلف والسلف.
{يَسْئَلُكَ الناس عَنِ الساعة} أي عن وقت قيامها وحصولها قيل: السائلون عن الساعة هم أولئك المنافقون، والمرجفون لما توعدوا بالعذاب سألوا عن الساعة استبعادًا، وتكذيبًا {وَمَا يُدْرِيكَ} يا محمد، أي ما يعلمك ويخبرك {لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيبًا} أي في زمان قريب، وانتصاب {قريبًا} على الظرفية، والتذكير لكون الساعة في معنى اليوم أو الوقت مع كون تأنيث الساعة ليس بحقيقي، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبيان أنها إذا كانت محجوبة عنه لا يعلم وقتها وهو: رسول الله، فكيف بغيره من الناس؟ وفي هذا تهديد لهم عظيم.
{إِنَّ الله لَعَنَ الكافرين} أي طردهم وأبعدهم من رحمته {وَأَعَدَّ لَهُمْ} في الآخرة مع ذلك اللعن منه لهنّ في الدنيا {سَعِيرًا} أي نارًا شديدة التسعر {خالدين فِيهَا أَبَدًا} بلا انقطاع {لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا} يواليهم ويحفظهم من عذابها {وَلاَ نَصِيرًا} ينصرهم ويخلصهم منها، و{يوم} في قوله: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النار} ظرف لقوله: {لا يجدون} وقيل: ل {خالدين} وقيل: ل {نصيرا} وقيل: لفعل مقدر، وهو: اذكر.
قرأ الجمهور: {تقلب} بضم التاء وفتح اللام على البناء للمفعول.
وقرأ عيسى الهمداني وابن أبي إسحاق {نقلب} بالنون، وكسر اللام على البناء للفاعل، وهو الله سبحانه.
وقرأ عيسى أيضًا بضم التاء وكسر اللام على معنى: تقلب السعير وجوههم.
وقرأ أبو حيوة وأبو جعفر وشيبة بفتح التاء واللام على معنى: تتقلب، ومعنى هذا التقلب المذكور في الآية: هو تقلبها تارة على جهة منها، وتارة على جهة أخرى ظهرًا لبطن، أو تغير ألوانهم بلفح النار فتسودّ تارة وتخضرّ أخرى، أو تبديل جلودهم بجلود أخرى، فحينئذ {يَقُولُونَ ياليتنا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرسولا} والجملة مستأنفة كأنه قيل: فما حالهم؟ فقيل: يقولون، ويجوز: أن يكون المعنى: يقولون يوم تقلب وجوههم في النار {ياليتنا} إلخ.
تمنوا أنهم أطاعوا الله والرسول، وآمنوا بما جاء به؛ لينجوا مما هم فيه من العذاب كما نجا المؤمنون، وهذه الألف في {الرسولا} والألف التي ستأتي في {السبيلا} هي: الألف التي تقع في الفواصل، ويسميها النحاة ألف الإطلاق، وقد سبق بيان هذا في أوّل هذه السورة.
{وَقَالُواْ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا} هذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى، والمراد بالسادة والكبراء: هم الرؤساء والقادة الذين كانوا يمتثلون أمرهم في الدنيا ويقتدون بهم، وفي هذا زجر عن التقليد شديد، وكم في الكتاب العزيز من التنبيه على هذا والتحذير منه والتنفير عنه، ولكن لمن يفهم معنى كلام الله ويقتدي به وينصف من نفسه، لا لمن هو من جنس الأنعام في سوء الفهم ومزيد البلادة وشدّة التعصب.
وقرأ الحسن وابن عامر: {ساداتنا} بكسر التاء جمع سادة فهو جمع الجمع.
وقال مقاتل: هم: المطعمون في غزوة بدر، والأوّل أولى، ولا وجه للتخصيص بطائفة معينة {فَأَضَلُّونَا السبيلا} أي عن السبيل بما زينوا لنا من الكفر بالله ورسوله، والسبيل هو: التوحيد، ثم دعوا عليهم في ذلك الموقف، فقالوا: {رَبَّنَا ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} أي مثل عذابنا مرتين.
وقال قتادة: عذاب الدنيا والآخرة، وقيل: عذاب الكفر وعذاب الإضلال {والعنهم لَعْنًا كَبِيرًا} قرأ الجمهور: {كثيرًا} بالمثلثة، أي لعنًا كثير العدد عظيم القدر شديد الموقع، واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد والنحاس.
وقرأ ابن مسعود وأصحابه ويحيى بن وثاب وعاصم بالباء الموحدة، أي كبيرًا في نفسه شديدًا عليهم ثقيل الموقع.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قال: خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر، فقال: يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين؟ قال: فانكفأت راجعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وإنه ليتعشى وفي يده عرق، فدخلت وقالت: يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا وكذا.
فأوحي إليه ثم رفع عنه، وإن العرق في يده ما وضعه، فقال: «إنه قد أذن لكنّ أن تخرجن لحاجتكنّ»، وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: كان نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم يخرجن بالليل لحاجتهن، وكان ناس من المنافقين يتعرّضون لهن فيؤذين، فقيل ذلك للمنافقين، فقالوا: إنما نفعله بالإماء، فنزلت هذه: {يا أيها النبي قُل لأزواجك} الآية.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال: كان رجل من المنافقين يتعرّض لنساء المؤمنين يؤذيهنّ، فإذا قيل له قال: كنت أحسبها أمة، فأمرهن الله أن يخالفن زيّ الإماء ويدنين عليهن من جلابيبهن تخمر وجهها إلاّ إحدى عينيها {ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ} يقول: ذلك أحرى أن يعرفن.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال: أمر الله نساء المؤمنات إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههنّ من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينًا واحدة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أمّ سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن} خرج نساء الأنصار كأن رءوسهنّ الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها، هكذا في الزوائد بلفظ من السكينة، وليس لها معنى، فإن المراد تشبيه الأكسية السود بالغربان، لا أن المراد وصفهن بالسكينة كما يقال: كأن على رءوسهم الطير.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: رحم الله نساء الأنصار، لما نزلت {يا أيها النبي قُل لأزواجك} الآية.
شقن مروطهن، فاعتجرن بها، وصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رءوسهنّ الغربان.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: كانت الحرّة تلبس لباس الأمة، فأمر الله نساء المؤمنين: أن يدنين عليهن من جلابيبهن، وإدناء الجلباب: أن تقنع وتشدّه على جبينها.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب في قوله: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون} يعني: المنافقين بأعيانهم {والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شك: يعني المنافقين أيضًا.
وأخرج ابن سعد أيضًا عن عبيد بن جبير قال: {الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ والمرجفون فِي المدينة} هم: المنافقون جميعًا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} قال: لنسلطنك عليهم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ}.
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة رضي الله عنه قال: كل شيء في القرآن {وما يدريك} فلم يخبره به، وما كان {ما أدراك} فقد أخبره.
{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا} أي رءوسنا في الشر والشرك {ربنا آتهم ضعفين من العذاب} يعني بذلك جهنم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {سادتنا وكبراءنا} قال: منهم أبو جهل بن هشام. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال السبكي:
قَوْله تعالى: {يَسْأَلُك النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ {قُلْ} أَكْثَرُ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ هَكَذَا بِغَيْرِ فَاءٍ، وَفِي طَه: {وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ} عَلَى مَعْنَى: إنْ يَسْأَلُوك فَقُلْ، وَإِنَّمَا جَاءَ كَذَلِكَ لِأَنَّ قَبْلَهُ: {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا} وَوَصَفَهُ وَهُوَ أَثَرٌ مُسْتَقْبَلٌ، فَلَمْ يَكُنْ السُّؤَالُ وَقَعَ.
وَلَكِنْ جَرَى سَبَبُهُ.
وَفِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ كَانَ السُّؤَالُ وَقَعَ انْتَهَى. اهـ.

.تفسير الآيات (69- 71):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان السبب في هذا التهديد كله ما كانوا يتعمدونه من أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم: تزوج امرأة ابنه، وغير ذلك إلى أن ختمه بما يكون سببًا لتمنيهم طاعته، وكان سماع هذا لطفًا لمن صدق به، أتبعه ما هو كالنتيجة له فقال: {يا أيها الذين آمنوا} أي صدقوا بما تلي عليهم {لا تكونوا} بأذاكم للرسول صلى الله عليه وسلم بأمر زينب- رضى الله عنها- أو غيره.
كونًا هو كالطبع لكم {كالذين آذوا موسى} من قومه بني إسرائيل آذوه بأنواع الأذى كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم حين قسم قسمًا فتكلم فيه بعضهم فقال: لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر وأنسب الأشياء للإرادة هنا أذى قارون له بالزانية التي استأجرها لتقذفه بنفسها فبرأة الله من ذلك، وكان سبب الخسف بقارون ومن معه {فبرأه} أي فتسبب عن أذاهم له أن برأة {الله} أي الذي له صفات الجلال والجمال والقدرة على كل شيء والكمال، وأفهم التعبير بالتفعيل أن البراءة كانت بالتدريج بالخسف وموت الفجاءة وإبراق عصا هارون كما مضى في آخر القصص.
ولما نهى عن التشبه بالمؤذين أعم من أن يكون أذاهم قوليًا أو فعليًا، أشار إلى أن الأذى المراد هنا قولي مثله في أمر زينب رضى الله عنها فقال: {مما قالوا} دون أن يقول: مما آذوا، وذلك بما أظهره من البرهان على صدقه فخسف بمن آذاه كما مضى في القصص فإياكم ثم إياكم.
ولما كان قصدهم بهذا الأذى إسقاط وجاهته قال: {وكان} أي موسى عليه السلام، كونًا راسخًا {عند الله} أي الذي لا يذل من والى {وجيهًا} أي معظمًا رفيع القدر إذا سأله أعطاه، وإذا كان عند الله بهذه المنزلة كان عند الناس بها، لما يرون من إكرام الله له، والجملة كالتعليل للتبرئة لأنه لا يبرئ الشخص إلا من كان وجيهًا عنده.
ولما نهاهم عن الأذى، أمر بالنفع ليصيروا وجهاء عنده سبحانه مكررًا للنداء استعطافًا وإظهارًا للاهتمام فقال: {يا أيها الذين آمنوا} أي ادعوا ذلك.
ولما كان قد خص النبي صلى الله عليه وسلم في أول السورة بالأمر بالتقوى، عم في آخرها بالأمر بها مردفًا لنهيهم بأمر يتضمن الوعيد ليقوى الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه فقال: {اتقوا الله} أي صدقوا دعواكم بمخافة من له جميع العظمة فاجعلوا لكم وقاية من سخطه بأن تبذلوا له جميع ما أودعكم من الأمانة {وقولوا} في حق النبي صلى الله عليه وسلم في أمر زينب رضى الله عنها وغيرها وفي حق بناته ونسائه رضى الله عنه ن وفي حق المؤمنين ونسائهم وغير ذلك {قولًا سديدًا} أي قاصدًا إلى الحق ذا صواب له {يصلح لكم أعمالكم} أي بأن يدخلكم في العمل الصالح وأنتم لا تعلمون ما ينبغي من كيفيته فيبصركم بها شيئًا فشيئًا ويوفقكم للعمل بما جلاه لكم حتى تكونوا على أتم وجه وأعظمه وأرضاه وأقومه ببركة قلولكم الحق على الوجه الحسن الجميل.
ولما كان الإنسان وإن اجتهد مقصرًا، قال مشيرًا إلى ذلك حتى لا يزال معترفًا بالعجز: {ويغفر لكم ذنوبكم} أي يمحوها عينًا وأثرًا فلا يعاقب عليها ولا يعاتب، ولما كان ربما توهم أن هذا خاص بمن آمن، وأن تجديد الإيمان غير نافع، أزال هذا الوهم بقوله: {ومن يطع الله} أي الذي لا أعظم منه {ورسوله} أي الذي عظمته من عظمته بأن يجدد لها الطاعة بالإيمان وثمراته في كل وقت، فيكون مؤديًا للأمانة إلى أهلها {فقد فاز} وأكد ذلك بقوله: {فوزًا عظيمًا} أي ظفرًا بجميع مراداته في الدنيا والآخرة. اهـ.